~¤¦¦§¦¦¤~ ريحانة المصطفى ~¤¦¦§¦¦¤~

أصول العقيدة(2) المقصد الأول .التوحيد 613623
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة يرجي التكرم بتسجبل الدخول اذا كنت عضو معنا
او التسجيل ان لم تكن عضو وترغب في الانضمام الي اسرة المنتدي
سنتشرف بتسجيلك
شكرا أصول العقيدة(2) المقصد الأول .التوحيد 829894
ادارة المنتدي أصول العقيدة(2) المقصد الأول .التوحيد 103798
~¤¦¦§¦¦¤~ ريحانة المصطفى ~¤¦¦§¦¦¤~

أصول العقيدة(2) المقصد الأول .التوحيد 613623
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة يرجي التكرم بتسجبل الدخول اذا كنت عضو معنا
او التسجيل ان لم تكن عضو وترغب في الانضمام الي اسرة المنتدي
سنتشرف بتسجيلك
شكرا أصول العقيدة(2) المقصد الأول .التوحيد 829894
ادارة المنتدي أصول العقيدة(2) المقصد الأول .التوحيد 103798
~¤¦¦§¦¦¤~ ريحانة المصطفى ~¤¦¦§¦¦¤~
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

~¤¦¦§¦¦¤~ ريحانة المصطفى ~¤¦¦§¦¦¤~


 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول
اللهم صل على محمد وال محمد وعجل فرجهم والعن اعدائهم

 

 أصول العقيدة(2) المقصد الأول .التوحيد

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
تراب أقدام المصطفى
ريحان فعال



62
حالتك الأن؟ : postdetails.poster-profile a img {
ذكر
نقاط : 82
تاريخ التسجيل : 10/12/2011

أصول العقيدة(2) المقصد الأول .التوحيد Empty
مُساهمةموضوع: أصول العقيدة(2) المقصد الأول .التوحيد   أصول العقيدة(2) المقصد الأول .التوحيد Icon_minitimeالإثنين يوليو 01, 2013 1:25 pm

قال السيد الحكيم في كتابه (أصول العقيدة) :



-[ 57 ]-



المقصد الأول



في التوحيد



والمُراد به تَفَرُّدُ اللهِ عزّ وجلّ بالأُلُوهِيَّة والخَلْق والتَّدْبِير، وعليه يَتَفَرَّع اسْتِحْقاقُه تعالى للعبادة، وتَفَرُّدُه بذلك.



التوحيد أمْرٌ فِطْرِي ارْتِكَازِي



وهو أمْرٌ قد فُطِر الإنسان عليه مهما كابَر وغالَط، وقد تَرَكَّز في أعماق نفسه وانطوى عليه ضميرُه، بطَبْعه مِن دُون تَكَلُّف، ولا حاجةٍ للاستدلال.

ويبدو إذْعَان الجاحِد به المُكابِر فيه عندما تُحِيط به المشاكلُ والمخاطر ويضيق بها، فينهار أَمامَها، ويفقد السيطرة على نفسه، فلا يقوى على كتمان ما انطوت عليه، وينسى مكابرتَه وجحودَه، ويتّجه لا إراديّاً لهذا المُدبِّر القادر، ويلجأ إليه في محْنته - وكأنه حاضر عنده لا يغيب عنه - مُخاطِباً له طالِباً نجْدتَه..

قال الله تعالى: ((وَمَا بِكُم مِن نِعمَةٍ فَمِن الله ثُمَّ إذَا مَسَّكُم الضُّرُّ فَإلَيهِ

-[ 58 ]-

تَجْأرُونَ* ثُمَّ إذَا كَشَفَ الضُّرَّ عَنكُم إذَا فَرِيقٌ مِنكُم بِرَبِّهِم يُشرِكُونَ)) (1).

وقال سبحانه: ((وَإذَا مَسَّ الإنسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنبِهِ أو قَاعِداً أو قَائِماً فَلَمَّا كَشَفنَا عَنهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأن لَم يَدعُنَا إلَى ضُرٍّ مَسَّهُ كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلمُسرِفِينَ مَا كَانُوا يَعمَلُونَ)) (2).

وقال عزّ وجلّ: ((هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِن نَفسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنهَا زَوجَهَا لِيَسكُنَ إلَيهَا فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَت حَملاً خَفِيفاً فَمَرَّت بِهِ فَلَمَّا أثقَلَت دَعَوَا اللهَ رَبَّهُمَا لَئِن آتَيتَنَا صَالِحاً لَنَكُونَنَّ مِن الشَّاكِرِينَ* فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحاً جَعَلاَ لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا فَتَعَالَى اللهُ عَمَّا يُشرِكُونَ)) (3).

وقال عزّ من قائل: ((هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُم فِي البَرِّ وَالبَحرِ حَتَّى إذَا كُنتُم فِي الفُلكِ وَجَرَينَ بِهِم بِرِيح طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُم المَوجُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أنَّهُم أُحِيطَ بِهِم دَعَوا اللهَ مُخلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِن أنجَيتَنَا مِن هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِن الشَّاكِرِينَ)) (4).

وفي الحديث: "قال رجل للصادق (عليه السلام) :

يا ابن رسول الله دُلَّنِي على الله ما هو؟ فقد أكثر عليّ المُجادِلُون وحيَّرُوني.

فقال له: يا عبد الله هل ركبْتَ سفينةً قَطّ؟

قال: نعم.

قال: فهل كُسِرَت بك حيث لا سفينة تُنْجِيك ولا سباحة تُغْنِيك؟

قال: نعم.

قال: فهل تَعَلَّق قلبُك هناك أنّ شيئاً مِن الأشياء

ـــــــــــــــــــــــ

(1) سورة النحل آية: 53ـ54.

(2) سورة يونس آية: 12.

(3) سورة الأعراف آية: 189ـ190.

(4) سورة يونس آية: 22.

-[ 59 ]-

قادِر على أنْ يخلّصك مِن ورطتك؟

قال: نعم.

قال الصادق (عليه السلام) :

فذلك الشيء هو الله القادر على الإنْجاء حيث لا مُنْجي، وعلى الإغاثة حيث لا مُغيث" (1).



صِدْق النبي في دعْوى النبوة دالٌّ على التوحيد



أضف إلى ذلك أنّ التوحيد قد تَبَنّاه بإصرارٍ دِينُ الإسلام العظيم الذي جاء به نبيُّنا الأمين (صلى الله عليه وآله وسلم)، فكلما دلّ على صدق النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في نبوته وفيما بلّغ به - مما يأتي في محله إن شاء الله تعالى – (فهو)يَدُلّ على التوحيد، لأنه أساسُ دينِ الإسلام، وأولُ أَمْرٍ ادّعاه (صلى الله عليه وآله وسلم) ودعا الناس إلى الإقرار به، وعليه أكّد القرآن المجيد الذي هو معجزته الخالدة، كما لا يخفى.

بل هو مما تَبَنَّته الأديان السماوية جميعًا، وحتى بعض الأديان الأخرى.

وأما ما اعْتَنَقَته بعضُ الطوائف المسيحية مِن التَّثْلِيث، فمِن البعيد جدّاً رُجُوعُه إلى تعدُّد الخالق المدبِّر للكون، بل الظاهِر رُجوعُه إلى أنّ الخالق الواحد قد اتّحَد مع الأقانيم، فاستحق الكلُّ العبادةَ. وإنْ كان تحديد مرادهم في غاية الإشكال. على أنّ الظاهِر(والمَعْلُوم) أنّ عقيدة التثليث طارِئة على المسيحية (2)، والأمْرُ ليس بمهمٍّ بعد ما سبق(مِن أنّ التوحيد فِطْرِيّ،ويدلّ عليه كلُّ ما دَلَّ على نبوة النبي صلى الله عليه وآله).

ومع كل ذلك فيَحْسُن بنا الاستدلال على التوحيد تَأْكِيداً للحجّة،

ـــــــــــــــــــــــ

(1) بحار الأنوار 3: 41.

(2) دائرة معارف القرن العشرين 2: 759 في مادة: الثالوث.

-[ 60 ]-

وقطْعاً للمعاذير، ولسَدّ الطريق على المكابر والمعاند. وينحصر الدليل عليه - بعد ما سبق - بالعَقْل، الذي تقدم في التمهيد التنبيهُ لأهميته، وأنّ عليه المَدار، وأنه الحجة الباطنة، كما تضمنته الأخبار.

ومِن الظاهر أنّ التوحيد يَرْجِع إلى أمرين:

إثْبَات الخالق، وأنه واحِدٌ لا شريك له، فالكلام فيه يقع في فصلين..

-[ 61 ]-



الفصل الأول



في إثْبَات الخالِق



وتمهيداً للاستدلال على ذلك نقول:



تَقْسِيم الأشْيَاء إلى مُمْتَنِع ومُمْكِن وواجِب



كُلّ أمْرٍ يُفْرَض، إذا عُرِض على العَقْل فهو بِفِطْرَتِه..

تارَةً: يَمْنَع مِن وُجوده لِذَاتِه، بحيْث يَرَاه العقلُ مُمتنِعاً بِنَفْسه، بلا حاجة إلى أمْرٍ خارجيٍّ يَمْنَع منه.

وأخرى: لا يَمْنَع مِن وُجوده لذاته، وإنْ أمْكَن أنْ يَمْتَنِع لأَمْرٍ طارئ خارِج عن الذات.

فالأوّلُ(المُمْتَنِع لذاته) كاجْتِمَاع النَّقِيضَيْن - وهما الوُجُود والعَدَم - وكارْتِفَاعِهما بالإضافة لشيءٍ واحدٍ في زمانٍ واحد، حيث لابدّ في كلّ شيءٍ إمّا أنْ يكون مَوْجوداً أو مَعْدُومًا، ولا يُعْقَل أنْ يكون موجوداً ومعدوماً في زمان واحد، كما لا يُعْقَل أنْ لا يكون موجوداً ولا معدومًا.

وكذا اجتماع الضِّدَّيْن - كالسواد والبياض، والحركة والسُّكُون - في

-[ 62 ]-

مَحَلٍّ واحد في آنٍ واحد.

وكَصَيْرُورَة الأربعةِ فَرْدًا، والخمسةِ زَوْجًا، بمَعْنَى أنْ لا تَنْقَسِم الأربعةُ إلى عددَيْن متساويَيْن مِن دُون كَسْر، وأنْ تنقسم الخمسة إلى عددين متساويين مِن دُون كسْر.

فإنّ هذه الأمور ونحوها إذا عُرِضَت على العقل مَنَع بفطرته مِن تَحَقُّقِها، وحَكَم حُكْماً قاطِعاً بامْتِنَاعها لِذَاتها.

والحكم المذكور بَدِيهِيٌّ يُدْرِكُه الإنسانُ بفطرته، بِلا تَكَلُّفِ استدلالٍ. ومَن يُنكره مُكَابِرٌ لا يَحْسُن الحديث معه، بل يتعيّن تَرْكه وما اختار لنفسه، حتى يرجع عن خطئه إنْ حالفه حظّه.

وأما الثاني - وهو الذي لا يَمْنَع العقلُ عن وُجُوده - فيُمْكن فَرْضُه بأحد وَجْهَيْن:

أولهما: أنْ يكون لازِمَ الوُجُود لِذَاتِه، بأنْ تكون ذاتُه مُسْتَلْزِمَةً لِوُجُوده. وهو المُعَبَّر عنْه بِوَاجِب الوُجُود، في قِبَال القسم الأول الممتنع الوجود.



واجِب الوُجُود أَزَلِيٌّ خَالِد



ولازِمُ ذلك..

أولاً: أنْ يكون مُسْتَغْنِياً في وجوده عن غيره، ولا يَحْتاج إلى عِلَّةٍ تُوجِدُه.

وثانياً: أنْ يكون وُجودُه قَدِيماً أَزَلِيّاً لا مَبْدَأَ له، وخالِداً سَرْمَدِيّاً لا مُنْتَهَى له.

-[ 63 ]-

إذ لو لم يَكُن قديماً أزليًّا، أو لم يَكُن خالداً سرمديًّا، لكان عَدَمُه مُمْكِنًا، بل حاصِلاً، أو يَحْصَل لاحِقًا، وهو(أي:عَدَمُه) خِلَافُ فَرْضِ كَوْنِه واجبَ الوجود(ونحن افترضنا أنه واجب الوجود).

وعَكْسُه في الأمْرَينِ معاً القسم الأول، وهو ممتنع الوجود، فإنّ امْتِنَاعَ وُجُودِه يَسْتَلْزِم كَوْنَ عَدَمِه قديماً وخالدًا، كما هو ظاهِر.



لابدّ في وُجودِ مُمْكِنِ الوُجودِ مِن عِلَّةٍ مُوجِدَةٍ له



ثانيهما: أنْ لا يَكُون بِذَاتِه لازِمَ الوجود، بل كما يمكن وجودُه يمكن عَدَمُه.

ومثل هذا لابدّ أنْ يكون حادِثاً مُفْتَقِراً في وجوده إلى غيْره، بأنْ يَسْتَنِد وجودُه للغيْر، ويكون ذلك الغيْرُ هو العِلَّة له والسبَب في وجوده. ويَمْتَنِع وجودُه مِن دُون علةٍ، لِعَدَم المُرَجِّح لوجوده على عدمِه بَعْد إمْكَانِ كلٍّ منهما في ذاته.

وإلى هذا يَرْجِع ما اشْتَهَر مِنْ أنّ كلَّ أثَرٍ لابدّ له مِن مُؤَثِّر، وأنه يَسْتَحِيل وجود الشيء مِن غير علةٍ، فإنّ مُرَادهم بذلك هو الأَثَر الحادِث الذي يمكن كلٌّ مِن وجوده وعدمه، دُونَ واجب الوجود لذاته، أو ممتنع الوجود لذاته.



بَدَاهَة احْتِياجِ الأثر للمُؤَثِّر



هذا، وقَضِيَّةُ أنّ كلّ أَثَرٍ حَادِثٍ لابدّ له مِن علّة مُؤثِّرة، وأنه يَمْتَنِع تَحَقُّقُه بِنَفْسِه مِن دُون علّة، مِن القضايا البديهية التي فُطِر الإنسانُ على

-[ 64 ]-

إدْرَاكِها والإقْرَارِ بها قَلْباً ولِسَانًا، والجَرْيِ عليها عَمَلاً. كما نراه مِن حال كلِّ إنسان ذي شُعُورٍ بالإضافة إلى كلِّ حَدَثٍ كبير وصغير جليل وحقير.

فنرى أهْلَ العلم والمعرفة على اختلاف معارفهم - مِن طب وكيمياء وفيزياء وغيرها - عندما يَرَوْن أيَّ شيءٍ يَتَعَلَّق بمعارفهم (فإنّهم)يَبْحَثُون عن أسبابه ومَنَاشِئه ومُؤثِّرَاته، ويَتَدَرّجُون في التعرُّف عليها وضَبْطِها، ثم التعرف على عِلَل تلك الأسباب وهكذا. وبذلك تزْداد معارفهم وترتفع مستوياتهم في مختلف العلوم والفنون.

ولا يَضَعُون في حِسَابهم فَرَضِيَّةَ حُصُول الحَدَث مِن دُون سَبَب.

وشَأْنُهم في ذلك شأن عامة الناس حينما يُدْرِكُون المؤثِّرات مِن طريق آثارها، جليلةً كانت - كاحْتراق الدُّور، وفيضان الأنهار - أو حقيرةً - كاختلاج العين، وتصدُّع الإناء - حيث لا يَرْتابون في أنّ وراء جميع ذلك أسباباً وعللاً ظاهِرةً أو خَفِيّة.

ومَن كابَرَ وأَنْكَر ذلك هنا فقد كَذَّبَ نفسَه في سائر الموارد مِمّا يَعْرُض له، كإنسان عادي، أو كصاحب اختصاص في جهة مِن جهات المعرفة.

وذلك شاهِدٌ بأنّ هذه القضية مِن الضَّرُورِيَّات العَقْلِيَّة البديهية، التي يَحْتَجّ بها الله تعالى على عباده، ولا يُنْكِرها إلا مُعانِد مُكابِر، لا يَحْسُن الحديث معه، ولا ينفعه إنكاره بعد قيام الحجة ووضوحها.

-[ 65 ]-



لابدّ مِن اسْتِنَاد العالَم إلى عِلّةِ العِلَل



وإذا عرفت ذلك فنقول:

هذا العالَـم الذي نتعرّف عليه - على اختلافنا في مقدار التعرف ومراتب المعرفة - مَلِيءٌ بالحركة الدائبة، والحوادث المتعاقبة، مِن ليل، ونهار، وزوابع، وأمطار، ومرض، وشفاء، وراحة، وعناء، وحياةِ مولودٍ، وموتِ مفقودٍ... إلى غير ذلك مما لا يُحصى كثرةً، ويُدْرِكه عامّة الناس، أو خاصّتهم مِن ذوي العلم والمعرفة.

ولا مَجَالَ لِكَوْنِه بحَوَادثه مُسْتَغْنِياً عن المُؤَثِّر، لِمَا سبق مِن أنّ الاسْتِغْنَاء عن المؤثر خاصٌّ بواجب الوجود الذي لو كان (لو وُجِد) لكان أزليّاً خالدًا، والحوادثُ المذكورة ليْسَت كذلك، فلابد مِن كوْنها مُمْكنةً، وقد سبق أنّ الممكن محتاجٌ إلى العلة المؤثرة، بل هي(الحوادث) بالوجْدَان مُسْتَنِدَةٌ إلى أسبابها وعللها التي نُدْرِكُها، فالإحراق والنور مُسَبَّبان عن النار، والمطر مُسَبَّبٌ عن احتكاك الغيوم في الجوّ، والولد مسبب عن اتصال أبويه جنسيًّا... إلى غير ذلك مما لا يسعه الإحصاء.

ثم نَنْقُل الحديثَ إلى تلك الأسباب والعِلَلِ، التي هي حادِثةٌ أيضًا، تَبَعاً لأسبابها وعللها... وهكذا نَجْرِي صُعُوداً في سلسلة العلل والأسباب، ولابد بالآخِرَة مِن أنْ نَنْتَهِي إلى علّةٍ قديمة، وسبَبٍ أزليٍّ مُسْتَغْنٍ بنفسه عن العلة والسبب، لكوْنه واجبَ الوجود لذاته.

وذلك هو الله تعالى شأنه الخالق المدبر لهذا الكون. وبذلك يتم الاستدلال على وجوده تعالى لو كان خَفِيًّا.

-[ 66 ]-
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
تراب أقدام المصطفى
ريحان فعال



62
حالتك الأن؟ : postdetails.poster-profile a img {
ذكر
نقاط : 82
تاريخ التسجيل : 10/12/2011

أصول العقيدة(2) المقصد الأول .التوحيد Empty
مُساهمةموضوع: رد: أصول العقيدة(2) المقصد الأول .التوحيد   أصول العقيدة(2) المقصد الأول .التوحيد Icon_minitimeالأحد يوليو 07, 2013 11:21 am

-[ 66 ]-
نعم، هنا دَعْوَيَان قد يَتَشَبّث المنكِر بواحدة منهما، يَحْسُن منّا عَرْضُهما، والجوابُ عنهما، إتماماً للفائدة، واستيعاباً في الاستدلال..

بُطْلان دَعْوى التَّسَلْسُل في العِلَل إلى ما لا نِهَايَةَ له

الأولى: أنّ الأسباب والعلل الممكنة الحادثة تتسلسل صاعِدَةً إلى ما لا نهاية له في الأَزَل(الزَّمَن القديم جِدًّا)، مِن دُون أن تنتهي إلى علةٍ وسببٍ أزليٍّ واجِبٍ.
لكنها دعوى مَرْدُودة تُبْطِل نَفْسَها، لأَنّ مَرْجِعَها إلى أنّ كُلَّ ما حَصَلَ ممكِنٌ حادِثٌ(فلا نَصِلُ ولا نَقِفُ عنْد واجب الوجود)، وحيث كان كُلُّ حادثٍ مَسْبُوقاً بالعدم، فلازِمُ ذلك أنّ كلّ ما حصل في هذه السلسلة مَسْبُوقٌ بالعدم، وأنه قد مَرَّ زمَنٌ خالٍ مِن كلّ شيء.
وهو(وهذا المَعْنَى) يُناقِض تسلْسلَ الحوادث والعلل مِن الأزل(فإنّ معنى تسلسل الحوادث والعلل مِن الأزل هو أن لا يكون البدْءُ مِن العدم ومِن لا شيء، بل يكون مِن علة،فإذا كانت هذه العلة ممكنة،إذًا سيسبقها العدم،فلابد أن تكون هذه العلة واجبة الوجود حتى لا يسبقها العدم).
وإلى هذا يَرْجِع ما تَكَرَّر في كلام أهل المَعْقُول مِن امْتِنَاع التَّسَلْسُل في العلل، حتى عُدَّ مِن البديهيات، بل لابد مِن بدء الحوادث مِن الصفر(أي: الصِّفْر مِن الحوادث،وذلك يكون بالبدْء مِن شيء غير حادث). وحينئذٍ يحتاج مَبْدَأ الحوادث وأوّلها إلى علة وسبب أزلي واجب الوجود، كما سبق.

دَعْوى قِدَم المادَّة في هذا العالَم

الثانية: أنّ العالَم قديمٌ أزلي واجب الوجود بمَادَّته، وأنه لم يَزَلْ في حرَكَة دائبة، وتَبَدُّلٍ في الصُّورَة.
وببيان آخر: ما نراه مِن الحوادث المُتَجَدِّدَة إنما هو في حَقِيقَتِه تَبَدُّلٌ في صورة المادة وهَيْئَتِها، مع كَوْن المادة بذاتها أزليَّةً واجبة الوجود غيْرَ حادثة.
ولنضرب لذلك مثلاً: الماء الذي في البحار، حيث يتحول إلى بخار و
-[ 67 ]-
سحاب، ثم يتفاعل في الجو، فينزل ماءً بصورة المطر، وقد يتجمّد في أعلى الجبال ثم يذوب وينساب ماءً في الأنهار، ليمدّ حياة الإنسان والحيوان والنبات، ثم ينزل في بطن الأرض، ليرجع إلى البحر، أو يتحلل كيماويّاً إلى عناصره، ويتفاعل بعد ذلك ليعود ماء كما كان، ثم يعود في دورته ثانيًا وثالثًا...وهكذا إلى ما لا نهاية.
والجواب عن هذه الدعوى مِن وجهين:

بطلان دعوى أزلية المادة

الأول: أنه لو تمَّ تفسير الكَوْن بحركة المادة وتحوّلها، مِن دون أنْ يَفْنَى بعضها، ويتجدّد غيره خَلَفاً عنه، إلا أنه لا مَجَالَ للبِنَاء على أزلية المادة واستغنائها عن العلّة والمؤثّر، لأنّ المادة التي يُفْتَرَض كَوْنَها أزليةً واجبة الوجود إنْ كانَتْ ذاتَ هَيْئَةٍ وصُورةٍ اسْتَحَالَ انْفِكَاكُها عن هيئتها وصورتها، و(استحال)تَعَاقُبُ الهيْئات والصور عليها، لأنّ هيئتها وصورتها الأُولَى أزليةٌ واجبةٌ مِثْلها، وقد سبق أنّ الأزلي الواجب خالِدٌ لا يَرْتَفِع(ولا يتبدل).
وإنْ كانت تلك المادة مُجَرَّدةً عن الهيئة والصورة لَزِم المحَال..
أولاً: لأنّ المادة لا تَنْفكّ عن الهيئة والصورة، ويَمْتَنِع تَجَرُّدُها عنها، كما هو ظاهِر(حيث إنّ المادة لا تظهر إلا في هيئة وصورة،فالحيوان مادة،لكنها توجد في هيئة وصورة الفرس والأسد وغيرهما،والنبات مادة لكنها توجد في النخل والزهر وغيرهما،وهكذا).
وثانياً: لأنه لو أَمْكَن تَجَرُّدُها عن الهيئة والصورة لكان تَجَرُّدُها واجِباً مِثْلَها، وحِينَئِذٍ يَسْتَحِيل تَخَلُّفُه(التجردُ) عنها و(لا يُمْكِن) تَصَوُّرُها بَعْد ذلك بالصور المختلفة(بل تَبْقى متجرِّدةً دائمًا)، لِمَا سبق مِن أنّ الأزليَّ الواجبَ الوجودِ خالِدٌ.
-[ 68 ]-

عُرُوض الصورة على المادة يَفْتَقِر إلى علّة

الثاني: أنه لو أمْكَن تَجَرُّدُ المادة في الأزل عن الهيئات والصور، ثم عُرُوضُها عليها بعد ذلك، فـَ(إِنّ)تَصَورّها بالصور المختلفة المتعاقبة يحتاج إلى علةٍ وسببٍ مُؤثِّرٍ فيها، يَقْهَرُها ويُخْضِعها لِتَقْبَل الهيئات والصور، وتَبَادُلَها عليها، وحينئذٍ فما هو هذا السبب المؤثر هل هو أزلي واجب الوجود أو حادث ممكن؟
فإنْ كان أزليّاً واجباً فهو الخالق المدبر، وتَمَّ المُدَّعَى.
وإنْ كان ممكناً حادثاً عاد الحديث إليه، لأنه يحتاج إلى علة حينئذٍ، ويمتنع تسلسلُ عِلَلِه إلى ما لا نهاية، بل لابد أنْ ينتهي بالآخرة إلى علةٍ واجبةِ الوجود، كما سبق.
وأمّا دَعْوى: أنّ المادة إذا أمْكَن أنْ تكون مجردةً عن الصورة أَزَلاً، ثم تَعْرُضها الصورة، فهي التي صوَّرَت نفْسَها، مِن دُون حاجةٍ إلى مؤثرٍ فيها خارِجٍ عنها.
فلا أظنّ عاقلاً يرْضى بها، لأنّ المادة بالوجْدَان صَمّاء بَكْمَاء لا تَعْقِل، فكيف يَصْدُر منها ذلك؟!
وهل يرضى العاقل لنفسه إذا رأى كتْلَةً مِن الطين قد صارت تمثالاً شاخِصًا، أو قِطَعاً مِن اللَّبُن متناسقةً، أنْ يقول:
إنها حَوَّلَت نَفْسَها إلى ذلك مِن دُون أنْ تَخْضَع لصنْعة صانِع؟!
وإلى هذا كله يرجع ما اختصره أهل المعقول مِن الاستدلال على حدوث العالَم بقولهم المشهور:
العالَم مُتَغَيِّر، وكلُّ متغيرٍ حادِثٌ، فالعالَم حادِثٌ.
والحاصل: إنّ قضية حُدُوث العالَم، واحتياجه إلى العلة المؤثرة
-[ 69 ]-
الواجبة الوجود، والمُسْتغنية عن العلة، مِن القضايا العقلية الارتكازية التي يدركها الناس بفطرتهم، ولا يستطيعون التجرد عنها مهما كابر فيها المكابر، وتعصب ضدها المعاند. وإذا خفي على العامة وجه الاستدلال عليها استغنوا بالارتكاز المذكور في البناء عليها.

فَرْض تصوير سَيْر الكون بفِلْم سينمائي

وقد سبق لنا الإطلاع على حديث لبعض الماركسيين يوم كان للإلحاد صوتٌ يُسمَع - لأنه مدعوم من إحدى القوتين العظميين - اعْتَرَف فيه المتحدِّثُ بأنّ في النظرية الماركسية فَراغاً في تفسير وجود الكون.
وأَوْضَح ذلك بمثال تقريبي، وهو أنه لو فُرِض أنّ سَيْر الكون قد صُوِّر بفلم سينمائي، ثم عَكَسْنا عَرْضَ الفلم ورجعنا به مِن الحاضر إلى الماضي في طلب البداية فإلى أين نَصِل؟ (والمعنى أنّ المتحدث الماركسي لا يَعْلم ما هي بداية الكون،وأنه هل هناك خالِق أو لا).
وفي ذلك كله بلاغ وعبرة تزيد ذوي الألباب بصيرةً في الأمر.

شُمُولية نظام الكون ودقّته وروعته

و(مَا)يزيد في تجلِّي هذه الحقيقة العظيمة ووضوحها هو دقّةُ الصُّنْع وإتقانه، وتناسقه وإحكامه، وروعة الكون وشمولية نظامه، وما فيه من طُرَف وعجائب، بنحو يبهر العقول ويحيّر الألباب، ويضطر العاقل للبخوع والإذعان، لا بوجود الخالق المدبر فحسب، بل بعظمته وحكمته، وقدرته المطلقة وإحاطته.
-[ 70 ]-
وابدأ في الملاحظة والتدبّر بالإنسان في تطوره من مبدأ خلقه إلى منتهى حياته، ودقائق جسده، وإدراكه ومنطقه، وعواطفه وانفعالياته، وغرائزه وعقله، ومرضه وشفائه... إلى غير ذلك.
ثم توجه في مثل ذلك إلى الحيوان.. إلى النبات.. إلى الماء والهواء.. إلى الأنهار والبحار.. إلى السهول والجبال.. إلى الغلاف الجوي.. إلى الكواكب السابحة في الفضاء... إلى ما لا يحصى من آيات مذهلة، وبدائع خلقة مروعة، تخرس ألسنة المعاندين، ولا تدع لقائل مقالاً.
وَفِي كُلّ شَيءٍ لَهُ آيَةٌ *** تَدُلُّ عَلى أنهُ واحِدُ

نماذج من العرض القرآني لآيات الله تعالى

قال عزّ من قائل: ((ذَلِكَ عَالِمُ الغَيبِ وَالشَّهَادَةِ العَزِيزُ الرَّحِيمُ* الَّذِي أحسَنَ كُلَّ شَيءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأ خَلقَ الإنسَانِ مِن طِينٍ* ثُمَّ جَعَلَ نَسلَهُ مِن سُلاَلَةٍ مِن مَاءٍ مَهِينٍ* ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِن رُوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمعَ وَالأبصَارَ وَالأفئِدَةَ قَلِيلاً مَا تَشكُرُونَ)) (1).
وقال جلّ شأنه: ((وَلَقَد خَلَقنَا الإنسَانَ مِن سُلاَلَةٍ مِن طِينٍ* ثُمَّ جَعَلنَاهُ نُطفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ* ثُمَّ خَلَقنَا النُّطفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقنَا العَلَقَةَ مُضغَةً فَخَلَقنَا المُضغَةَ عِظَاماً فَكَسَونَا العِظَامَ لَحماً ثُمَّ أنشَأنَاهُ خَلقاً آخَرَ فَتَبَارَكَ اللهُ أحسَنُ الخَالِقِينَ)) (2).
وقال عزّ وجلّ: ((إنَّ فِي خَلقِ السَّمَاوَاتِ وَالأرضِ وَاختِلاَفِ اللَّيلِ
ـــــــــــــــــــــــ
(1) سورة السجدة آية: 6ـ9.
(2) سورة المؤمنون آية: 12ـ14.
-[ 71 ]-
وَالنَّهَارِ وَالفُلكِ الَّتِي تَجرِي فِي البَحرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أنزَلَ الله مِن السَّمَاءِ مِن مَاءٍ فَأحيَا بِهِ الأرضَ بَعدَ مَوتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ المُسَخَّرِ بَينَ السَّمَاءِ وَالأرضِ لآيَاتٍ لِقَومٍ يَعقِلُونَ)) (1).
وقال جلّ شأنه: ((ألَم تَرَ أنَّ اللهَ يُزجِي سَحَاباً ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَينَهُ ثُمَّ يَجعَلُهُ رُكَاماً فَتَرَى الوَدقَ يَخرُجُ مِن خِلاَلِهِ وَيُنَزِّلُ مِن السَّمَاءِ مِن جِبَالٍ فِيهَا مِن بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَن يَشَاءُ وَيَصرِفُهُ عَن مَن يَشَاءُ يَكَادُ سَنَا بَرقِهِ يَذهَبُ بِالأبصَارِ* يُقَلِّبُ اللهُ اللَّيلَ وَالنَّهَارَ إنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبرَةً لِأُولِي الأبصَارِ)) (2).
وقال سبحانه: ((خَلَقَ السَّمَاوَاتِ بِغَيرِ عَمَدٍ تَرَونَهَا وَألقَى فِي الأرضِ رَوَاسِيَ أن تَمِيدَ بِكُم وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَابَّةٍ وَأنزَلنَا مِن السَّمَاءِ مَاءً فَأنبَتنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوجٍ كَرِيمٍ)) (3).
وقال عزّ اسمه: ((وَإنَّ لَكُم فِي الأنعَامِ لَعِبرَةً نُسقِيكُم مِمَّا فِي بُطُونِهِ مِن بَينِ فَرثٍ وَدَمٍ لَبَناً خَالِصاً سَائِغاً لِلشَّارِبِينَ* وَمِن ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالأعنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنهُ سَكَراً وَرِزقاً حَسَناً إنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِقَومٍ يَعقِلُونَ* وَأوحَى رَبُّكَ إلَى النَّحلِ أن اتَّخِذِي مِن الجِبَالِ بُيُوتاً وَمِن الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعرِشُونَ* ثُمَّ كُلِي مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً يَخرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ مُختَلِفٌ ألوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ إنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِقَومٍ يَتَفَكَّرُونَ)) (4)... إلى غير ذلك من
ـــــــــــــــــــــــ
(1) سورة البقرة آية: 164.
(2) سورة النور آية: 43ـ44.
(3) سورة لقمان آية: 10.
(4) سورة النحل آية: 66ـ69.
-[ 72 ]-
آيات الله تعالى الباهرة، ونعمه الباطنة والظاهرة، التي تعرضت لها الآيات الكريمة، والأحاديث الشريفة، ويدركها عامة الناس وخاصتهم.

كلمّا تأخّر الزمن تجلَّت عظمة الخالق

وكلما تأخر الزمن وتطورت العلوم والمعارف، واكتشف الكثير من أنظمة الكون الرحيب وأسراره - كنظام الجاذبية، والقوة الكهربائية، والأمواج الصوتية وغيرها، والأشعة بأنواعها، ونظام الذرة، وخصائص الكائن الحي بأنواعه، وغير ذلك - تضاءل أهل العلم والمعرفة، وبخعوا خاضعين لعظمة الخالق وحكمته، وأقروا بذلك صاغرين، كما قال عزّ من قائل: ((سَنُرِيهِم آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أنفُسِهِم حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُم أنَّهُ الحَقُّ أوَلَم يَكفِ بِرَبِّكَ أنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيءٍ شَهِيدٌ)) (1).
وبعد كل ما سبق لا نرى منصفاً يتوقف في وجود الخالق عزّ وجلّ، وعموم قدرته، وإحاطة علمه، وعظيم حكمته. ومَن أراد بعد ذلك أن يصرّ على رَيْبِه أو جحوده فشأنه وما اختار ((بَل الإنسَانُ عَلَى نَفسِهِ بَصِيرَةٌ)) (2). وحسابه بعد ذلك على الله تعالى، وكفى به حسيبًا.
ـــــــــــــــــــــــ
(1) سورة فصلت آية: 53.
(2) سورة القيامة آية: 14.
-[ 73 ]-

الفصل الثاني
في نَفْي الشَّرِيك

ونعني به أنّ هذا الخالِق الواحِد لا شريك له.
وقد سبق أنّ ذلك مُقْتَضى الفطرة، وأنه الذي تبنَّاه دينُ الإسلام العظيم، فيُثْبِته جميعُ ما يُثبِت الإسلامَ.

الاستدلال على توحيد الله تعالى ونَفْي الشريك له

ومع ذلك فيَدُلّ عليه ما سبق مِن أنّ واجب الوجود الأزلي لابد أنْ يكون مُسْتَغْنِياً عن كلّ شيء، فإنّ ذلك يَقْضِي بوِحْدته.
إذْ لو تَعَدَّدَ (الخالِقُ الواجِبُ) فالأطرافُ(المُتعدِّدة) كما تَشْتَرِك في جِهَةٍ واحدة اقْتَضَت وجوبَ وُجودِها، كذلك هي تَمْتَاز فيما بينها بمُمَيِّزات تُقَوِّم كلّاً منها، وتكون حُدُوداً له يُبَاين بها الآخَر، وتلْك الحدودُ زائِدَةٌ عن تلك الجهة المشتركة الواجبة الوجود، وحيث كان المَحْدُودُ مُحْتاجاً إلى حدودِه - لِتَقَوُّمِه بها - كان كلُّ طرفٍ محتاجاً إلى الحدّ الزائد عن الجهة الواجبة الوجود، فيُنَافِي(هذا الاحتياجُ) ما تَقَدَّم مِن أنّ الأزلي الواجب الوجود لابد أنْ يكون مُسْتغنياً عن غيره.
-[ 74 ]-
وعلى ذلك يكون فَرْضُ الحَدِّ له - بِمُقْتَضَى تَعَدُّدِه - مُسْتَلْزِماً لِحاجته ولِحُدُوثه، ومُنَافِياً لأزليّته ووجوب وجوده.
وببيان آخر نقول: تَعَدُّد واجبِ الوجود بحيث يكون اثنين - مثلاً - مُسْتلزِمٌ لاشتراكهما في شيءٍ اقتضى وجوبَ وجودِهما، و(مستلزمٌ لـِ)امْتِيَازِ كلٍّ منهما عن الآخر بشيء زائد على ذلك، ولولاه لَمَا تَعَدَّد.
ولنفْرِض واجبَي الوجود (أ)، (ب) وجهة الاشتراك بينهما (ج)، وما به امْتِيَاز (أ)هو (د)، وما به امتياز (ب)هو (ه). وعلى ذلك فـ (أ) عبارة عن (ج د)، و (ب) عبارة عن (ج ه). وحيث كان المُرَكَّبُ محتاجاً إلى أجزائه يكون (أ) محتاجاً إلى (ج) و (د)، و (ب) محتاجاً إلى (ج) و (ه). وحاجةُ كلٍّ منهما إلى جُزْئَيْه تُنَافِي وجوبَ وجودِه أزليًّا.
وبذلك يظهر أنّ واجب الوجود لا يكون متعدّدًا، كما لا يكون واحداً مُرَكَّبًا، لاحْتِيَاج المركَّب إلى جُزْئَيْه، بل لابد أنْ يكون بَسِيطاً مِن جميع الجهات.
وإلى هذا يشير أمير المؤمنين (عليه السلام) في خطبة له، حيث يقول: "ومَن حَدَّه فقد عَدَّه، ومَن عَدّه فقد أَبْطَلَ أَزَلَه" (1).
وقد تكرر ذلك في أحاديثه (عليه السلام) وأحاديث الأئمة مِن ولده (عليهم السلام)، واستفاضت بِنَفْي التركيب والحدود له جلّ شأنه.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
تراب أقدام المصطفى
ريحان فعال



62
حالتك الأن؟ : postdetails.poster-profile a img {
ذكر
نقاط : 82
تاريخ التسجيل : 10/12/2011

أصول العقيدة(2) المقصد الأول .التوحيد Empty
مُساهمةموضوع: رد: أصول العقيدة(2) المقصد الأول .التوحيد   أصول العقيدة(2) المقصد الأول .التوحيد Icon_minitimeالسبت يوليو 20, 2013 2:22 am

ويؤكد التوحيدَ أمورٌ أُشيرَ إليها في الكتاب المجيد وكلام المعصومين (صلوات الله عليهم)..
ـــــــــــــــــــــــ
(1) نهج البلاغة 2: 40.
-[ 75 ]-

الاستدلال على التوحيد بإحْكام الصنع وتناسقه

الأول: إحكام الصنع وتناسقه، فكلُّ شيء قد وُضِع في موضعه المناسب، وصُنِع وِفْق نظام متكامل لا نشز فيه ولا تنافر، مِن دون أن يؤثر بعضها على بعض، ويضرّ به ويفسده، بل كثيراً ما يكون بقاءُ بعضِها وصلاحُه موقوفاً على بقاء الآخر، حيث يُنَاسِب ذلك وحدةَ العقل الخالق للكون على سعته، ولِمَا فيه مِن موجودات لا تحصى، وإحاطته بالكل وتدبيره لها وفق النظام المذكور الذي به صلاحه.
أما لو تعدَّدَ العقلُ المُدَبِّر لكان لكلِّ عقلٍ نظامُه الذي يخترعه، فلا تتناسق الأنظمة، بل يصطدم بعضها ببعض، ويَؤُول الأمر للفساد، كما قال عزّ مِن قائل: ((لَو كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إلاَّ اللهُ لَفَسَدَتَا فَسُبحَانَ اللهِ رَبِّ العَرشِ عَمَّا يَصِفُونَ)) (1).

لو تعددت الآلهة لحصل صراع بينهم

الثاني: أنّ طبيعةَ الأقوياء المتناظرين التغالبُ بينهم والتناحرُ مِن أجل أنْ يقهر بعضهم بعضاً ويعلو بعضهم على بعض، فلو تعدّدت الآلهة لحصل ذلك بينهم، وظهرت آثاره في الكون الذي هو موضع الصراع بينهم.
كما قال جلّ شأنه: ((بَل أتَينَاهُم بِالحَقِّ وَإنَّهُم لَكَاذِبُونَ* مَا اتَّخَذَ اللهُ مِن وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِن إلَهٍ إذاً لَذَهَبَ كُلُّ إلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلاَ بَعضُهُم عَلَى بَعضٍ
ـــــــــــــــــــــــ
(1) سورة الأنبياء آية: 22.
-[ 76 ]-
سُبحَانَ اللهِ عَمَّا يَصِفُونَ* عَالِمِ الغَيبِ وَالشَّهَادَةِ فَتَعَالَى عَمَّا يُشرِكُونَ)) (1). مع أنّ ذلك لم يحصل، بل تجري أنظمة الكون متناسقة لا اضطراب فيها.

لو كان لله شريكٌ لدعا إلى نفسه

الثالث: أنه لو كان لله تعالى شأنه شريك لدعا إلى نفسه، وأرسل رسلاً تنبئ عنه وتدعوا إليه، وتعرّف الناس به وتبلغهم دينه وأمره ونهيه، ولدعمهم بالآيات والبينات، والحجج الواضحة الشاهدة بصدقهم، كما فعل الله عزّ وجلّ ذلك، إظهاراً للحقيقة، ليؤدّي العبادُ حقَّه، كما قال عزّ من قائل: ((وَمَا خَلَقتُ الجِنَّ وَالإنسَ إلاَّ لِيَعبُدُونِ* مَا أُرِيدُ مِنهُم مِن رِزقٍ وَمَا أُرِيدُ أن يُطعِمُونِ* إنَّ الله هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو القُوَّةِ المَتِينُ)) (2).
ولاسيما مع ما هو المعلوم مِن دعوى الرسل توحيد الله عزّ وجلّ، فكان المناسبُ لغيره - لو كان له وجود - إرسالَ الرسل مِن قِبَلِه، للرَّدْع عن ذلك، بياناً للحقيقة، ورَفْعاً للَّبْس والتغرير فيه، وليؤدي الناس حقه. مع أنّ ذلك لم يحصل.
وإنما ادعى طوائف مِن الناس تعدُّدَ الآلهة تفسيراً لِوَضْع الكون مِن عند أنفسهم، مِن دُون أنْ يَدَّعُوا الرسالةَ عن غير الله تعالى، ويُقِيموا الحجّةَ البيّنة على صدقهم. وكلّ ما وصل مِن دعاواهم مردود عليهم، لِفَقْده الدليلَ والحجة. بل هو مِن الوهن ومخالفة العقل بِحَدٍّ يَصِل إلى البشاعة والسخف والاستهجان والسخرية.
ـــــــــــــــــــــــ
(1) سورة المؤمنون آية: 90ـ92.
(2) سورة الذاريات آية: 56ـ58.
-[ 77 ]-
قال أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) في وصيته العظيمة للإمام الحسن (عليه السلام) : "واعلم يا بني أنه لو كان لربك شريك لأتتك رسلُه، ولرأيتَ آثارَ ملْكه وسلطانه، ولعرفتَ أفعالَه وصفاته. ولكنه إله واحد - كما وصف نفسه - لا يضادّه في ملكه أحدٌ، ولا يزول أبدًا، ولم يزل، أوّلٌ قبل الأشياء بلا أوَّليّة، وآخرٌ بعد الأشياء بلا نهاية. عَظُمَ عن أنْ تَثْبُت ربوبيّتُه بإحاطة قلب أو بصر" (1).
وفي جميع ما تقدم بلاغ وكفاية في الاستدلال على التوحيد وإثباته، لا يبقى معه مجال لتوقف العاقل المنصف فيه، فضلاً عن إنكاره له.
بقي في المقام أمران:
الأول: أن ما سبق إنما هو نَفْي الشريك المُسْتَقِلّ عن الله عز وجل والمُسْتَغني بوجوده عنه. وهناك بعض الأديان التي تبتني على وجود الشريك له تعالى مِن خلقه، سواءً كان عاقلاً، كما قد يُدَّعَى في عيسى (عليه السلام)، أم صامتًا، كالأصنام وعجل السامري في بني إسرائيل.
وهي واضحة البطلان، بل السُّخْف، إذ لا معنى لأَنْ يخلق الله سبحانه مَن يشاركه في ملكه، أو يساويه في حقِّه على عبيده، بحيث يستحق أن يُعْبَد معه، قال الله تعالى: ((ضَرَبَ لَكُم مَثَلاً مِن أنفُسِكُم هَل لَكُم مِن مَا مَلَكَت أيمَانُكُم مِن شُرَكَاءَ فِي مَا رَزَقنَاكُم فَأنتُم فِيهِ سَوَاءٌ تَخَافُونَهُم كَخِيفَتِكُم أنفُسَكُم كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَومٍ يَعقِلُونَ)) (2).
ـــــــــــــــــــــــ
(1) نهج البلاغة 3: 44.
(2) سورة الروم آية: 28.
-[ 78 ]-

ما يجب الاعتقاد به هو التوحيد فقط

الثاني: أنّ الذي يجب الإقرار به على كلِّ حال والاعتقاد به مِن كلِّ مكلف هو التوحيد فقط، ولو مع الغفلة عمّا زاد عليه، كما هو مُقْتَضَى اقْتِصَار النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في الدعوة للدِّين على ذلك.
نعم يجب على المُلْتَفِت الاعْتِقادُ بكمال الله تعالى المُطْلَق، في علْمه وحكمته، ولطفه، ورحمته، وعدله، وقدرته... إلى غير ذلك، لأنّ ذلك مِن ضَرُورِيّات الدين، التي أكَّدَت عليها الآياتُ الكريمة، والأحاديث الشريفة، واقْتَضَتْها المُرْتَكَزَاتُ العقلية والدينية.
ولعله إلى ذلك يرجع ما في بعض النصوص في بيان أدْنى المعرفة، ففي حديث الفتح بن يزيد عن أبي الحسن (عليه السلام) :
"سألته عن أدنى المعرفة. فقال:
الإقْرَار بأنه لا إله غيره، ولا شبه له ولا نظير، وأنه قديم مُثْبَت موجود غيْر فَقِيد، وأنه ليس كمثله شيء" (1).
وقريب منه غيره (2).
ـــــــــــــــــــــــ
(1) الكافي 1: 86.
(2) الكافي 1: 86 / وبحار الأنوار 3: 267ـ 269.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
أصول العقيدة(2) المقصد الأول .التوحيد
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» أصول العقيدة(4)المقصد الثالث.في الإمامة
» أصول العقيدة (5) المقصد الرابع. في العدل
» أصول العقيدة(6)المقصد الخامس. في المعاد
» أصول العقيدة(7)المقصد السادس. خاتمة
» أصول العقيدة(3) المقصد الثاني.في النبوة والرسالة

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
~¤¦¦§¦¦¤~ ريحانة المصطفى ~¤¦¦§¦¦¤~ :: ღ♥ღ المـنتديــــات الإســلامـيـــــــة ღ♥ღ :: ريحانة الإسلامي العام-
انتقل الى: